بلقاضي: حكومة بنكيران مدعوة لعدم الاختباء وراء جيوب المقاومة
بلقاضي: حكومة بنكيران مدعوة لعدم الاختباء وراء جيوب المقاومة حاوره محمد بلقاسم الأحد 03 غشت 2014 - 14:50 عزا الدكتور ميلود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، ما وصفه بالتواضع الذي سُجل على مستوى إنجازات حكومة عبد الإله بنكيران في مجال السياسة العمومية، إلى السياق الراهن الصعب والمأزوم، موضحا أنه "يصعب أن تحقق أفضل منه". وبعدما نبه بلقاضي، في حوار مع هسبريس، الحكومة إلى "ضرورة عدم الاختباء وراء جيوب المقاومة، لأن كل حكومات العالم تواجه عدة ضغوطات سياسة واجتماعية"، سجل أن "الحكومة الحالية أعادت الجاذبية للنقاش السياسي رغم رداءة الخطاب السياسي وعنفه وبؤسه". ولفت بلقاضي إلى أن "هناك شبه إجماع حول تدني وانحطاط لغة خطاب الأغلبية والمعارضة، والاستعمال المفرط لمفاهيم القدح والسب والشتم"، مرجعا ذلك إلى "الواقع السياسي المغربي الذي ازداد ضبابية وغموضا مع نخب سياسية حولت التواصل السياسي إلى آلية لشخصنة الصراع عوض توجيهه نحو نقد الأفكار والبرامج السياسية". بلقاضي قال إن الأرقام والمؤشرات التي قدمت في حصيلة حكومة بنكيران لم تقنع المواطن، الذي ما زال يشعر أن المجهودات المبذولة من قبل الحكومة في المجال الاجتماعي محدودة التأثير على واقعه المعيش، معتبرا أن "الطبقات الفقيرة والمتوسطة لم تشعر لحد الآن بنتائج ملموسة في حياتها المعيشية اليومية". ما هي الإضافة التي قدمتها حصيلة الحكومة المرحلية للسياسة العمومية المغربية؟ تعتبر مبادرة رئيس الحكومة عرض الحصيلة المرحلية للحكومة أمام البرلمان وفق مضمون الفصل 101 من الدستور، مكسبا ايجابيا ومناسبة لرئيس الحكومة لتقييم عمل حكومته على مستوى الإنجازات، والنقائص، والبدائل، والآفاق المستقبلية لما تبقى من عمر الحكومة، وهذا تمرين ديمقراطي يرسخ ثقافة تقييم السياسات العمومية في العمل الحكومي انطلاقا من ربط المسؤولية بالمحاسبة. لكن هذا التمرين الديمقراطي في حاجة إلى نخب وباحثين موضوعيين ومراكز بحث ومعاهد دراسات مؤهلة في تقييم السياسات العمومية، بعيدا عن المقاربات السياسوية، والانطباعات الذاتية، والتأويلات والقراءات المؤدلجة لبعض النخب والمنابر الإعلامية المتهافتة. علميا كل تقييم موضوعي لحصيلة الحكومة المرحلية للسياسية العمومية المغربية يجب أن يربط الحصيلة المرحلية للحكومة بالسياق الراهن، وهو سياق صعب ومأزوم، لذلك نقول إن انجازات حكومة بنكيران في مجال السياسة العمومية ـ رغم تواضعها ـ يصعب أن تحقق أفضل منه في السياق الحالي، أي حكومة تقودها أغلبية حكومية أخرى، لكن هذه المعطى يجب أن لا يخفي بطء تفعيل مقتضيات الدستور، وبطء تدبير الحكومة الحالية للسياسات العمومية وعدم اتخاذ قرارات جريئة. سياسيا أعادت الحكومة الحالية الجاذبية للنقاش السياسي رغم رداءة الخطاب السياسي وعنفه وبؤسه، واختارت معادلة الإصلاح في إطار الاستقرار، وهي معادلة تحمل بين طياتها عدة دلالات، مفادها أن حكومة بنكيران فضلت الإصلاح التدريجي والمرن، في ظل سياق سياسي تراجعت فيه هيبة الدولة وتآكلت فيه الوسائط التقليدية وارتفعت فيه حدة المطالب الاجتماعية. لكن أهم ما يسجل على حكومة بنكيران هو مسألة تدبير عامل الزمن، فاللازمة التي شهدتها الأغلبية الحكومية سنة 2013 والصراعات مع حزب الاستقلال خصوصا بعد انسحابه، أثرت سلبيا على وتيرة الحكومة بالنسبة لمجال السياسات العمومية. صحيح أن حكومة بنكيران راهنت على التوازنات وقدمت في الحصيلة الاقتصادية أرقاما ومؤشرات، لكنها لم تقنع كل المواطنين، لأن المواطن ما زال يشعر أن المجهودات المبذولة من قبل الحكومة في المجال الاجتماعي محدودية التأثير على واقعه المعيش. والطبقات الفقيرة والمتوسطة لم تشعر لحد الآن بنتائج ملموسة في حياتها المعيشية اليومية، خصوصا مع استمرار العجز في بعض القطاعات الاجتماعية ومن بينها : التربية والتكوين، الصحة، السكن، التشغيل والرعاية الاجتماعية، وهذا ما يفرض على حكومة بنكيران ـ في ما تبقى من ولايتها ـ الرهان على تسريع وتيرة السياسات العمومية واتخاذ قرارات شجاعة تمس حياة المواطن. والأكيد أن نجاح حكومة بنكيران في السياسات العمومية يتطلب الاستمرار في صياغة سياسات اجتماعية واقتصادية واقعية وتنفيذها بشكل فعّال، وتقييم تأثيراتها المباشرة على الواقع المعيش للمواطن لأن هذا هو المعيار على نجاح السياسة العمومية لأي حكومة، دون الاختباء وراء جيوب المقاومة لأن كل حكومات العالم تواجه عدة ضغوطات سياسة واجتماعية ومطالب فئوية تؤثر في الخيارات الحكومية في مجال السياسات. كيف قرأتم لغة الخطاب المستعملة بين الأغلبية والمعارضة؟ الحديث عن لغة الخطاب التواصل بين الأغلبية والمعارضة هو في عمق الأمر حديث عن نوعية التواصل السياسي. هذا الأخير الذي لا يمكن تقييمه في انفصال عن نوعية الفاعل السياسي وطبيعة الثقافة السياسية السائدة. وهناك شبه إجماع بخصوص تدني وعنف وانحطاط لغة خطاب الأغلبية والمعارضة، والاستعمال المفرط لمفاهيم القدح والسب والشتم والاتهامات والخداع، وحقيقة الأمر أن لغة خطاب الأغلبية والمعارضة ليست إلا انعكاسا للواقع السياسي المغربي الذي ازداد ضبابية وغموضا مع نخب سياسية حولت التواصل السياسي إلى آلية لشخصنة الصراع، عوض توجيهه نحو نقد الأفكار والبرامج والمناهج السياسية وفق المرجعيات الدستورية. ونشير هنا إلى أن التعليمات الملكية التي أعطيت لرئيس مجلس النواب في موضوع طريقة النقاشات ونوعية الخطابات واللغة المستعملة في التواصل بين الأغلبية والمعارضة، هي من قلل من عنف لغة أحزاب المعارضة للحكومة في الآونة الأخيرة. وسيذكر التاريخ أن أهم ما ميز التواصل السياسي ولغة الخطاب في عهد أول حكومة منتخبة في ظل دستور 2011 هو بلاغة الهجاء وقوة العنف اللغوي التي ميزت قاموس التواصل السياسي الذي بلغ مداه الأقصى من التوتر في لحظات ملاسنات بعض قيادات المعارضة مع رئيس الحكومة أو عند الاستنجاد بالبلاغة سعيا وراء التأثير أكثر. وهنا نقول إنه لا مراء أن تكون اللغة مرآة كاشفة عن خبايا الفاعل السياسي، حين يشتم أو يسب أو يتهم أو يتهكم، وهنا نتسائل ـ كما قال أحد الباحثين ـ ألا تكون الملاسنة في الحقل السياسي هي العنصر المكمل لتعالق سلطة اللغة وسلطة القرار؟ هل قامت كل من الأغلبية والمعارضة بتنزيل ما تم التنصيص عليه دستوريا؟ هناك أكثر من مؤشر على أن الأغلبية والمعارضة تفعل مقتضيات الدستور بوتيرة بطيئة ولو بدرجات نسبية ومختلفة. فجل أحزاب الأغلبية والمعارضة لا تشتغل وفق مقتضيات الفصل 7 من الدستور على مستوى تأطير المواطنين، وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة العامة، وفي تدبير الشأن العام وفق مبادئ الديمقراطية. بل إن أحزاب المعارضة لا تشتغل وفق ما خول لها الدستور من صلاحيات وفق الفصل 10 بالنسبة لحرية الرأي والتعبير والمشاركة الفعلية في مساطر التشريع، وفي مراقبة العمل الحكومي والمساهمة في العمل البرلماني بكيفية بناءة وفعالة، بل أصبح شغلها الشاغل هو شخصنة الصراع مع الحكومة في شخص رئيسها. وبصفة عامة منطق التاريخ يفرض على أحزاب الأغلبية والمعارضة تفعيل مقتضيات الدستور بكيفية سليمة، لكن ذلك سيتطلب فترة زمنية، لأن المشكل لا يتعلق بمساطر بل بعقليات، ومن المؤسف أن سلوك ولغة جل أحزاب الأغلبية والمعارضة وممارساتها وخطاباتها ما زالت سجينة الماضي، أكثر في الاستثمار في مضامين الدستور الجديد الذي شكل تحولا تاريخيا ما زال في حاجة إلى فاعلين سياسيين ومؤسسات ومواطنين مؤهلين لتكريس مقومات سمو الدستور كمصدر لجميع السلطات.
0 commentaires: