كتاب يرصدُ "الفيلسوف عبد السلام ياسين" بعيدًا عن "الشيخ السياسي"
كتاب يرصدُ "الفيلسوف عبد السلام ياسين" بعيدًا عن "الشيخ السياسي"
إنْ كان الشيخُ الراحل، عبد السلام ياسين، المؤسس لجماعة العدل والإحسان، يحضرُ النقاش بالمغرب كشخصيَّة سياسيَّة، كانتْ لها مواقفها من القصر وأدوات الحكم، على الأغلب، فإنَّ الجانب الفكريَّ للرجل، قليلًا ما طفَا إلى الواجهَة، ليشحذَ اهتمامًا كذاكَ الذِي أولاهُ الأكاديميُّ المغربيُّ، إدريس مقبُول، في كتابٍ لهُ صدرَ حديثًا، عنونهبـ"سؤال المعنى في فكر عبد السلام ياسين".
الباحث المغربيُّ إدريس مقبول، الذِي سبقَ لهُ أنْ أصدر عدَّة أعمال في النحو العربي كما الفكر والسياسة، يحددُ رهان الكتاب في ملاحقة جوانب المدرسة الفكرية للشيخ عبد السلام ياسين، الذِي كان، وفقًا للكاتب، ذا نظريات في قضايا الفلسفة والتغيير والتاريخ، بعدما درس مذاهب الفلاسفة العرب وغير العرب بقديمهم وحديثم وقارب مقالاتهم الفلسفية.
الكتابُ الذِي قدمَ له المفكر الألماني، مراد ويلفيد هولفمان، يذهبُ إلى أنَّ الشيخ ياسين اجتهد بحيث لم يسيطر عليه مذهب أو نظرية، فأمكنه أنْ ينأى عن التقليد وينتصر للتجديد، في محاولته الانفراد بفلسفة خاصة به، دون أنْ يكون مشغولا بأن ينسب إليه شيئ أو يلفت إليه شعاع الأضواء.
ويوردُ الأستاذ مقبُول في تقديمه الكتاب أنَّ الشيخ ياسين "شخصية مركبة تؤلفُ بين المفكر والفيلسوف والمتأمل الصوفي والأديب أو الناقد أو الشاعر أو المفكر الإصلاحي والسياسي، مردفًا أنهُ وإنْ كانت للشيخ نظريات في قضايا الفلسلفة والتغيير، لا زالتْ تحتاجُ من يقرؤها، خطت لها مسارها المختلف، دون الاعتماد على العقل والحواس والتجربة وحدها في الوصول إلى الحقيقة، متوسلا في البحث بما يسميه الوعي الكوني (الإيمان العظيم)، الذي يشكلُ طاقة وجدانية يحسها، حسب الكتاب" من يملك ذخيرة روحية واسعة، لا يقف الأمر عند الإحساس، وإنما الإحساس الصافي والشعور المنطلق الذي يبعث على الفعل والإبداع والتغيير".
ومنْ الزوايا التي يقرأ فيها الكاتب الحياة الفلسفيَّة للشيخ ياسين، وكيف أنَّ الشيخ كان ذا بصماتٍ قويَّة في تفكيكه للحداثة، بتفكيك فكرة مؤداها أنَّ الإنسان مركز الكون، وأنه مبدأ كل القيم الأخلاقية والسياسية، وما يصفه الكاتب و"وهم" تحرير العقل وحده للإنسانية وقدرته على أن يكفل لها السعادة في الحياة، وأنه بالتقنيات وبالعلوم سيجلب أياما أفضل وسلاما للعالمين، زيادةً على "وهم" أن الموضوعية هي جوهر العلم ونتاجه، في الوقت الذي كشف فيه الشيخ ياسين أنها ليست في كثير من الأحيان سوى تحيزات ذكية للمصالح الحيوية لمن يتخفى وراءها.
ومع فلسفة الإنسان، يعرض الدكتور مقبول الصوت المنهاجي لدى الشيخ ياسين المنادي بالإنسان المسئول عن خياراته ومواقفه هنا وهناك، في عالم الشهادة كما في عالم الغيب، حيث المسئولية أحد المحددات الأخلاقية والوجودية للإنسان، لا قيمة له بدونها، كما لا وزن له مع فقدانها، "الإنسان الفطري المتصل بالسماء المنسجم مع الطبيعة في مقابل الإنسان المنفصل المقطوع الذي يعلن الحرب على الطبيعة ويسعى في تخريبها من حيث يتوهم إحكام السيطرة والتسيد عليها" يورد الكاتب.
ولدى عرض فلسفة التاريخ، يسوقُ الدكتور مقبول عن الشيخ ياسين نظرهُ إلى التخلف في فهم التاريخ بمثابة تخلفٍ في فهم جوهر الدين، ليربط عندها بين الانحطاط الحقيقي في تاريخ الأمة والانحطاط عن الأفق البرهاني النبوي العالي، على اعتبار أن النظر من أعالي التاريخ هو الكفيل لمنح القوة في فهم ما جرى "من علمنة ومن انفصام في القيم ومن نكوص عن الرسالية التي فتحت الباب للانتهازية والتأويل لصالح تمكين الاستبداد باسم قيم دينية زائفة".
ومما جاء في تقديم المفكر الألماني، مراد ويلفريد هوفمان" للكتاب أنهُ مسعى يبحث عن جواب لسؤال المعنى في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين، واصفًا إياهُ بأحد أكبر وأهم القامات الفكرية بين معاصريه في العالم الاسلامي، قائلًا إن العمل عرج على فلاسفة ملهمين كبار أمثال بيير بورديو، ألبرت أينشتاين، إدغار موران، إدموند هوسرل، بليز باسكال و طارق رمضان. من إيقاف الجلبة والتساؤل " من يكون الإنسان و لماذا هو هنا و أي وظيفة له في هذه الحياة الدنيا؟
0 commentaires: